بسم الله الرحمن الرحيم
كثرة لوم الزوجة وانتقادها
فمن الأزواج من يكثر لوم زوجته وانتقادها عند كل صغيرة وكبيرة، فتراه ينتقد الطعام الذي تعده الزوجة، وتراه يعاتبها إذا بكى الصغار أو كثر عبثهم، وتراه يبالغ في تأنيبها إذا نسيت أو قصرت في شأن من شؤونه.
وأقبح ما في ذلك أن يعنفها فيما لا قدرة لها عليه، كأن يلومها إذا كانت لا تنجب، أو إذا كانت لا تنجب إلا بنين فحسب، أو بنات فحسب، أو يلومها إذا أنجبت ولداً مشوهاً، أو فيه بعض العيوب الخِلْقية؛ فيجمع بذلك بين ألمها في نفسها وبين إساءته البالغة بقوارصه التي تقض مضجعها، وتؤرق جفنها.
وما هذا بمسلك العقلاء؛ ذلك أن كثرة اللوم لا تصدر من ذي خلق كريم أو طبع سليم؛ ثم إن ذلك يورث النفرة، ويوجب الرهبة.
فَدَعِ العتابَ فربَّ شرْ * ر هاج أوله العتاب[1]
فالزوج العاقل الكريم لا يعاتب زوجته عند أدنى هفوة، ولا يؤاخذها بأول زلة.
بل يلتمس لها المعاذير، ويحملها على أحسن المحامل.
وإن كان هناك ما يستوجب العتاب عاتبها عتاباً ليناً رقيقاً تدرك به خطأها دون أن يهدر كرامتها أو ينسى جميلها.
ثم ما أحسن أن يتغاضى المرء ويتغافل؛ فذلك من دلائل سمو النفس وشفافيتها وأريحيتها، كما أنه مما يعلي المنزلة، ويريح من الغضب وآثاره المدمرة.
وإن أتت المرأة ما يوجب العتاب فلا يحسن بالزوج أن يكرر العتاب، وينكأ الجراح مرة بعد مرة؛ لأن ذلك يفضي إلى البغضة، وقد لا يبقي للمودة عيناً ولا أثراً.
ومما يعين الزوج على سلوك طريق الاعتدال في عتاب الزوجة أن يوطن نفسه على أنه لن يجد من زوجته كل ما يريد كما أنها لن تجد فيه كل ما تريد؛ فلا يحسن به - والحالة هذه - أن يعاتب في كل الأمور، وأن يتعقب كل صغيرة وكبيرة؛ فأي الرجال المهذب؟ ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها؟.
ثم إن الإنسان لا يستطيع أن يتخلص من كثير من عيوبه؛ فعلامَ نُحمِّل الآخرين فوق ما يطيقون ونحن عن تلافي كثير من عيوبنا عاجزون؟.
ولا يعني ما مضى أن يتساهل الزوج في تقصير الزوجة في الأمور المهمة من نحو القيام بالواجبات الدينية، أو رعاية الأداب المرعية، أو التزام ما تقضي به الصيانة والعفة؛ فهذه أمور يجب أن توضع على رأس الأشياء التي لا يقبل التنازل عنها بحال[2].
قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: "استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضلَع، وأن أعوج ما في الضلع أعلاه"[3].
فالحديث الشريف يعلم الرجل كيف يسلك في سياسة الزوجة طريق الرفق والأناة؛ فلا يشتد ويبالغ في ردها عن بعض آرائها التي بها عوج؛ فإن ذلك قد يفضي إلى الفراق.
كما أنه لا يتركها وشأنها، فإن الإغضاء عن العوج مدعاة لاستمراره أو تزايده.
والعوج المستمر أو المتزايد قد يكون شؤماً على المعاشرة، فتصير إلى عاقبة مكروهة[4].
وبعد ذلك فقد يقع من الزوج شدة في العتاب، أو إسراف في اللوم؛ فيحسن به إذا وقع منه ذلك أن يبادر إلى الاعتذار، أو الهدية، وإظهار الأسف، والاعتراف بالخطأ دون أن تأخذه العزة بالإثم؛ فما هو إلا بشر، وما كان لبشر أن يدعي أنه لم يقل إلا صواباً.
فإذا أخذ الزوج بهذه الطريقة قلَّ عتابه، وأراح نفسه، وسما بخُلِقه.
قال ابن حبان - رحمه الله - : "من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لما يأتون من المحبوب كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء"[5].
[1] عيون الأخبار لابن قتيبة 3/29.
[2] انظر نظرات في الأسرة المسلمة ص72 و 89.
[3] رواه البخاري (3331)، ومسلم (1468).
[4] انظر الهداية الإسلامية ص57.
[5] روضة العقلاء لابن حبان ص72.
يقول ابن القيم - رحمه الله - :
كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة؟!!