بسم الله الرحمن الرحيم
التقصير في بر الوالدين بعد الزواج
فمن الناس من إذا تزوج تنكر لوالديه، وقلب لهما ظهر المِجَنِّ، فصار يقصر في حقهما، ولا يقدرهما حق قدرهما.
بل ربما قدم طاعة الزوجة على طاعتهما، وربما أهانهما في سبيل إرضاء زوجته، بل ربما طردهما من المنزل أو تركهما وحيدين فيه وهما بأمسِّ الحاجة إلى رعايته.
ولا ريب أن هذا الصنيع عقوق للوالدين، ويخشى على مرتكبه من العقوبة العاجلة التي تكدر صفوه، وتنغص عليه عيشه.
فماذا يرجى من شخص يتنكر لأقرب الناس إليه، وأولاهم ببره وعطفه؟
إن تنكره لغيرهم سيكون من باب أولى؛ فالذي لا خير فيه لأبويه لا يمكن أن يكون فيه خير لزوجة أو ولد أو أحد من الناس.
ولهذا كان جديراً بالابن الصالح أن يحرص على بر والديه في كل حال، ومما يعينه على الاستمرار في البر بعد الزواج ما يلي:
أ - الدعــاء: وذلك بأن يلجأ إلى الله - عز وجل - وأن يحسن صلته به، وأن يسأله الإعانة على البر.
إذا صح عونُ الخالقِ المرءَ لم يجد * عسيراً من الآمال إلا ميسرا
ب - الحذر من أي تصرف يشعر الوالدين بأن ابنهما قد تغير: ذلك أن تصرفات الابن تتغير بعد الزواج، وكذلك تصرفات الوالدين؛ فالابن قد يُشْغَل عن والديه، والوالدان قد تشتد عندهما الشكوك، وتُساورهما الظنون بأن ابنهما قد تحول عنهما، ومال إلى غيرهما.
والأم أكثر من الأب في ذلك الشأن؛ فحري بالابن ألا يغفل عن هذا المعنى، وجدير به أن يكون في منتهى الحذر، وأن يعمل ما في وسعه؛ كي لا يصدر منه تصرف يشعر والدته خصوصاً بأنه قد مال عنها، وارتضى بها بدلاً.
كما أن عليه أن يتحمل بعض لومها؛ لأنها كلما كانت أكثر تعلقاً بالابن وحُبَّاً له كان تأثرها ولومها أكثر وأكثر.
جـ - زيادة البر للوالدين: سواء كان ذلك مادياً، أو معنوياً، كالهدايا، والزيارات، والاتصال المستمر، وإظهار المودة سواء كان عندهم في المنزل، أو كان في منزل منفرد.
ويحسن بالابن ألا يلزم نفسه بما لا يستطيع أن يستمر عليه فيما بعد، لأنه إذا بدأ بما لا يستطيع أن يستمر عليه ثم قطعه - فُسِّرَ تفسيراً ليس في مصلحته، وربما جر عليه أسوأ العواقب.
د - السكن في بيت منفرد: إذا لم يترتب على ذلك ترك الوالدين وحيدين، وهما عاجزان عن القيام بأمرهما.
أما إذا كانا قادرين، وكان المنزل مليئاً بالإخوة والأخوات - فإنه يحسن بالابن أن ينفرد في سكن خاص به، على أن يستمر في البر - كما مر -.
هـ - إبعاد الوالدين قدر المستطاع عن المشكلات الزوجية: وذلك بأن يحرص الزوج على حل مشكلاته مع زوجته بروح المودة، وألا يَعْلمَ الوالدان بذلك؛ لأنه يؤذيهما.
أما إذا استدعى الأمر ذلك، ورغب الابن في استشارة والديه، وكانا ذَوَيْ رأي - فلا بأس.
و - الحرص على التوفيق بين الوالدين والزوجة.