وضع الإسلام حقوقاً للزوجة يجب على الزوج تنفيذها وأداءها ، وهي ضرورية لاشاعة الاستقرار والاطمئنان في أجواء الاُسرة ، وإنهاء أسباب المنافرة والتدابر قبل وقوعها .
ومن حقوق الزوجة على زوجها : حق النفقة ، حيث جعله الله تعالى من الحقوق التي يتوقف عليها حقّ القيمومة للرجل ، كما جاء في قوله تعالى : ( الرِجالُ قوّامُونَ على النِّساءِ بما فَضّلَّ اللهُ بَعضهُم على بَعضٍ وبما أنفقُوا من أموالِهم (1)
فيجب على الزوج الانفاق على زوجته ، وشدّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الواجب حتى جعل المقصّر في أدائه ملعوناً ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ملعون ملعون من يضيّع من يعول » (2) .
والنفقة الواجبة هي الاطعام والكسوة للشتاء والصيف وما تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج (3) .
والضابط في النفقة القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وأداء وكسوة وفراش وغطاء واسكان واخدام وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها (4) .
ويقدم الاطعام والاكساء على غيره من أنواع النفقة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « حقّ المرأة على زوجها أن يسدَّ جوعتها ، وأن يستر عورتها ، ولا يقبّح لها وجهاً ، فإذا فعل ذلك أدّى والله حقّها » (5) .
والنفقة هي ملك شخصي للزوجة ، فلو دفع لها الزوج نفقتها ليوم أو اسبوع أو شهر ، وانقضت المدة ولم تصرفها على نفسها بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق عليها أحد بقيت ملكاً لها (6) .
____________
1) النساء 4 : 34 .
2) عدة الداعي | أحمد بن فهد الحلي : 72 ـ مكتبة الوجداني قم .
3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 285 .
4) مهذب الاحكام 25 : 298 . والصراط القويم : 215 .
5) عدة الداعي : 81 .
6) مهذب الاحكام 25 : 305 .
ولو مضت أيام ولم ينفق الزوج عليها اشتغلت ذمته بنفقة تلك المدة سواء طالبته بها أو سكتت عنها
ولضرورة هذا الحق جعل الاسلام للحاكم الشرعي ـ وهو الفقيه العادل ـ صلاحية إجبار الزوج على النفقة ، فإن امتنع كان له حق التفريق بينهما ، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « إذا أنفق الرجل على امرأته مايقيم ظهرها مع الكسوة ، وإلاّ فرّق بينهما » .
ولا تسقط النفقة حتى في حال الطلاق ، فما دامت المطلقة في عدتها فعلى الزوج الانفاق عليها ، وتسقط نفقتها في حال الطلاق الثالث ، قال الإمام محمد الباقر عليه السلام : « إنَّ المطلقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها ، إنّما هي للتي لزوجها عليها رجعة » (4) ، إلاّ الحامل فإنّها تستحقُّ النفقة بعد الطلاق الثالث (5) .
قال الإمام الصادق عليه السلام : « إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى ، أنفق عليها حتى تضع.. » (6) .
____________
4) الكافي 6 : 104 .
5) المقنعة : 531 .
6) الكافي 6 : 103 .
وتسقط النفقة في حال عدم التمكين للزوج ، ولا تسقط إن كان عدم التمكين لعذر شرعي أو عقلي من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض (1) .
وتسقط النفقة إن خرجت بدون إذن زوجها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع » (2) .
وحثّ الإسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع التدابر والتقاطع ، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبة وأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالى : (... وعَاشرُوهنَّ بالمعرُوفِ فإنّ كَرِهتُمُوهُنَّ فَعَسى أن تَكرهوا شَيئاً ويجعل اللهُ فيهِ خيراً كثيراً
) (3) .
ومن مصاديق العشرة بالمعروف حسن الصحبة ، قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية : « إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارها على كلِّ حال ، وأحسن الصحبة لها ، فيصفو عيشك » (4)
ومن حقها أن يتعامل زوجها معها بحسن الخلق ، وهو أحد العوامل التي تُعمّق المودة والرحمة والحب داخل الاُسرة ، قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام : « لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحسن خلقه معها واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها.. » (5) .
____________
1) مهذب الاحكام 25 : 292 .
2) الكافي 5 : 514 .
3) سورة النساء : 4 | 19 .
4) مكارم الاخلاق : 218 .
5) تحف العقول : 239 .
ومن حقها الاكرام ، والرفق بها ، واحاطتها بالرحمة والمؤانسة ، قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام : « وأمّا حقُّ رعيتك بملك النكاح ، فأن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية ، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها.. » (1) .
وقد ركّز أهل البيت عليهم السلام على جملة من التوصيات من أجل ادامة علاقات الحب والمودّة داخل الاُسرة ، وهي حق للزوجة على زوجها .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي » (2) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من اتخذ زوجة فليكرمها » (3) .
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته » (4) .
____________
1) تحف العقول : 188 .
2) من لا يحضره الفقيه 3 : 281 .
3) مستدرك الوسائل | النوري 2 : 550 .
4) من لا يحضره الفقيه 3 : 281 .
وجاءت توصيات جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤكدّة لحق الزوجة قال صلى الله عليه وآله وسلم : « أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة » (1) .
ونهى صلى الله عليه وآله وسلم عن استخدام القسوة مع المرأة ، وجعل من حق الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها ، ففي جوابه على سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة قال : « حقك عليه أن يطعمك ممّا يأكل ، ويكسوك ممّا يلبس ، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك » (2) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ، ويحنّون عليهم ، ولا يظلمونهم » (3) .
ومن أجل تحجيم نطاق المشاكل والاضطرابات الاُسرية ، يستحسن الصبر على إساءة الزوجة ، لأنّ ردّ الاساءة بالاساءة أو بالعقوبة يوسّع دائرة الخلافات والتشنجات ويزيد المشاكل تعقيداً ، فيستحب الصبر على إساءة الزوجة قولاً كانت أم فعلاً ، قال الامام محمد الباقر عليه السلام : « من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة ، أعتق الله رقبته من النار ، وأوجب له الجنّة » (4) .
وحثّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوج على الصبر على سوء أخلاق الزوجة ، فقال : « من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه » (5) .
____________
1) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 .
2) مكارم الاخلاق : 218 .
3) مكارم الاخلاق : 216 ـ 217 .
4) مكارم الاخلاق : 216 .
5) مكارم الاخلاق : 213 .
ولقد ورد في سيرته صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يصبر على أذى زوجاته وغضبهن عليه وهجرهن إياه ، فحري بنا أن نقتدي بسيرة سيّد البشر صلى الله عليه وآله وسلم لكي نتجنب كثيراً من حالات التصدّع والتفكك في حياتنا الزوجية ، ونحافظ على سلامة العلاقات داخل محيط الاُسرة .
عن عمر بن الخطاب قال : غضبت على امرأتي يوماً ، فإذا هي تراجعني ، فانكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر من ذلك ! فو الله إنّ أزواج النبي صلى الله عليه وآله ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل (1) .
وقال عمر لحفصة ابنته : أتغضب احداكنّ على النبي صلى الله عليه وآله اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم (2) .
وكانت سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام مثالاً لسيرة جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في كل مفردات العقيدة والسلوك ، وهكذا كانت في مسألة الصبر على أذى الزوجة لأجل تقويم سلوكها واصلاحها ، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : « كانت لأبي عليه السلام امرأة ، وكانت تؤذيه ، وكان يغفر لها » (3) .
ومن حقوق الزوجة حق المضاجعة ، فإذا حرمها الزوج من ذلك ـ كما هو الحال في الايلاء ، بأن يحلف أن لا يجامع زوجته ـ فللزوجة حق الخيار ، إن شاءت صبرت عليه أبداً ، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم الشرعي ، حيث يمهله لمدة أربعة أشهر ليراجع نفسه ويعود إلى مراعاة حقها ، أو يطلقها ، فان أبى كليهما حبسه الحاكم وضيّق عليه في المطعم
____________
1) الدر المنثور 6 : 243 .
2) المعجم الكبير 23 : 209 .
3) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 .
والمشرب حتى يرجع إلى زوجته ، أو يطلقها (1) .
وإذا تزوجت من رجل على أنّه سليم ، فظهر أنه عنّين انتظرت به سنة ، فان استطاع مجامعتها فتبقى على زوجيتها ، وإن لم يستطع كان لها الخيار ، فان اختارت المقام معه على أنّه عنّين لم يكن لها بعد ذلك خيار (2) .
ولا يجوز اجبار المرأة على الزواج من رجل غير راغبة فيه ـ كما تقدم ـ .
وإن كان للرجل زوجتان ، فيجب عليه العدل بينهما (3) .
ووضع الإسلام حدوداً في العلاقات الزوجية ، فلا يجوز للزوج أن يقذف زوجته ، فلو قذفها جلد الحدّ (4) .